المجتَمَع الإسْلاَمي أيَّام سيدنا عَليّ رضى الله عنه

لم يختلف وضع المجتمع الإسلامي أيام علي عما كان عليه سابقاً، فالشرع هو المطبق وأحكام الله هي النافذة والمعمول بها، وإنما الشيء الوحيد الذي اختلف هو متابعة الناس لما يجري في الداخل بعد أن كان الاهتمام متجهاً إلى ما يحدث في الفتوح وأحوال الثغور، هذا بالنسبة إلى عامة الناس، أما فيما يتعلق بالعمال والولاة فكان اهتمامهم أكبر إذ يتعلق الأمر بهم وبأمصارهم لذا فقد اختلف الوضع بين مصر وآخر، وهناك أمر آخر يجب ألا نغفل عنه وهو أن المسلمين استقبلوا خلافة علي بغير ما استقبلوا خلافة عثمان، فقد جاء عثمان بعد عمر القوي الشديد الذي منع الصحابة من الخروج من المدينة، وأخذهم بالحزم والشدة، فأعطاهم عثمان اللين والرفق، وأغدق عليهم في الأعطيات حسب ما اعتاد عليه من البذل والعطاء، فلانوا له وأحبوه وخاصة في أيامه الأولى، وفضله بعضهم على عمر. وجاء علي بعد عثمان فسار بالناس سيرة عمر فلم يوسع لهم الأعطيات، ولم يعطهم النوافل من المال، واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج بأية حال، وهيجه افتراق القوم إذ أن عدداً من بني أمية قد اتجهوا إلى مكة، وتفرق بعض الناس في الأمصار، واستأنف فيهم حزم عمر، وشدته، والنفس البشرية يصعب عليها الشدة بعد اللين على حين ترتاح وتطمئن للين بعد الشدة، لذا كانت نفوسهم يشوبها كثير من الوجوم والقلق بتسلم علي الأمر، هذا بالإضافة إلى تسلط المشاغبين الذين قتلوا عثمان على المدينة ولم تَطَلْهم بعدُ الحدود، ولننظر إلى حالة كل مصر وحده.

        فاليمن سار إليها عبيدالله بن عباس والياً عليها من قبل علي فاستقبله، وخرج منها يعلى بن أمية، واستقر الأمر فيها، تقام الحدود، ويطبق الشرع بصورة تامة.

        وأما مكة المكرمة فقد عاد إليها راجعاً عدد من أهل المدينة الذين وصل إليهم خبر مقتل سيدنا عثمان وهم في طريقهم إلى بلدهم بعد أن شهدوا موسم الحج، ورغبوا اعتزال الفتنة، فمكة حرم آمن لا يغار عليه ولا يذعر من أوى إليه، ومنهم من خرج إليها من المدينة غاضباً أو معتزلا مثل بني أمية، عبدالله ابن عمر : وردت مكة عامل علي عليها وهو خالد بن العاص بن المغيرة المخزومي، وعاشت دون وال، وبعد مدة استأذن طلحة والزبير عليا في الخروج إلى مكة لأداء العمرة فأذن لهما فخرجا، وبقيا فيها إذ وجدا الجو فيها أكثر مناسبة لهم من جو المدينة المليء بالخارجين على عثمان رضي الله عنه، وبعد مدة جاء قثم بن العباس واليا على مكة واستقر فيها، واستتب له الأمر.